
زرت في الأسبوع الماضي The Metropolitan Museum of Arts في مدينة نيويورك، أو كما يعرف باسمه المختصر “The Met”. أستطيع القول بأنه بالنسبة لي من أجمل الأماكن التي زرتها في أمريكا. كان المكان مختلفاً عن المتاحف التي رأيتها مسبقاً، ويستحق أن تخصص له جزءاً من رحلتك في حال كنت تستمتع بزيارة المتاحف.
ما هو The Met؟
تم إنشاء المتحف في عام 1870م ويقع في الجادة الخامسة (فيفث آفينو) بجوار سنترال بارك. له عدة فروع في المدينة ولكن أكبرها وأشهرها هو الذي قمت بزيارته. يحتوي على أكثر من مليوني قطعة فنية تعود لخمسة آلاف عام. ووفقاً لويكيبيديا، فإن المتحف هو الأكبر للفنون في الولايات المتحدة وثالث أكثر متحف تمت زيارته حول العالم!

ينقسم المتحف لقسمين: أيمن وأيسر، وفي المنتصف تقع قاعة الدخول ومنطقة العصور الوسطى. وحيث أنني كنت في عجلة لم أستطع رؤية كل ما في المتحف واقتصرت زيارتي على منطقة الآثار الفرعونية والمنحوتات الأوروبية والفن المعاصر. خسرت معظم الوقت ضائعة لأنني كنت أبحث عن منطقة الفن المعاصر لرؤية لوحات فان غوخ والتي وصلت إليها متأخرة ولم أستطع الاستمتاع بها. ولكن أليس هناك من قال أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً؟
ماذا أحتاج للزيارة؟
- ثلاث ساعات – على الأقل – في حال رغبت برؤية كامل المتحف في يوم واحد، أو يمكنك تقسيم زيارتك على مدار يومين أو ثلاثة
- 25$ رسوم تذكرة الدخول وسارية لمدة 3 أيام
- حذاء رياضي مريح
- خريطة المكان من كاونتر التذاكر
- يمكنك استئجار الدليل الصوتي بسبعة دولارات لليوم الواحد والمتوفر بعدة لغات للأسف العربية ليست من ضمنها. يحوي الدليل الصوتي على جولة للأطفال أيضاً
نصائح للزيارة:
- زرت المتحف وحدي ووجدت أنها كانت تجربة ثرية جداً. استطعت تأمل القطع الفنية والتجول دون التقيد بمجموعة، لذلك أنصح إن كنت من ضمن مجموعة أن تنفصل عنهم وتتجول بحرية.
- التخفف من كل شيء، فلن تحتاج داخل المتحف سوى لمحفظتك وفي حال رغبت بشرب شيء ما فهناك مقهى في الداخل يوفر لك ما تحتاجه
- من المهم التخفف أيضاً لأن المتحف يقوم بتفتيش الحقائب قبل الدخول مما قد يترتب عليه تأخيرك لو كنت تحمل حقيبة مليئة بالأغراض
- تجنب أوقات الذروة (من بعد الواحدة ظهراً) وعطلات نهاية الأسبوع لأن المجموعات السياحة تجعل من المكان مكتظاً ومزدحماً
- زيارة موقع المتحف والاطلاع على الخريطة للإعداد لزيارتك مسبقاً والتركيز على ما تود رؤيته وأيضاً التعرف على ممتلكات المتحف الرئيسية
بدأت جولتي من الجناح الأيمن والذي يحوي كنوز الحضارة الفرعونية. أعجز حقيقة عن وصف جمال هذا الجزء والذي استغرقت فيه قرابة الأربعين دقيقة دون أن أشعر بالوقت يمضي. أن تقف أمام التابوت الفرعوني بحجمه الحقيقي وترى ما كان مرقداً لشخص ما لآلاف السنين هو أمر يبعث على الدهشة والقشعريرة! رأيت أحد المعابد الفرعونية والتي تستطيع التجول داخلها. رأيت تفاصيل حياتهم ومنحوتاتهم، رأيت تطورهم من النحت الغير ملون وحتى اكتشافهم الألوان. زرت غرفة مخصصة للملكة حتشبسوت والتي تعد أول ملكة تنال هذا الصيت وقوة الحكم فأصبحت أحد الفراعنة. في عهدها ازدهرت مصر وتحسنت اقتصادياً وتجارياً وبدأت نهضة ثقافية وعمرانية في عهدها وأهمها الدير البحري الذي أنشأته للعبادة. وفي المتحف استطعت الوقوف أمامها وجهاً لوجه لا يفصلنا شيء سوى بضعة آلاف سنة (أرجو عدم أخذ المعنى حرفياً حيث أن وجهي لا يكاد يصل لكفيها!) . كان أمراً لا أستطيع وصفه ولن يفهمه سوى من رأى ما رأيت.

انتقلت بعد ذلك لساحة مليئة بالمنحوتات الأوروبية والتي يغلب عليها الطابع الديني المسيحي. ومن يعرفني يعرف استمتاعي بتأمل المنحوتات الحجرية والتي أعجب فيها من قدرة الشخص على إحالة صخرة لمجسم متقن مليء بالتفاصيل الدقيقة. هذا الجناح أيضاً من أجمل ما شاهدت في المتحف وكان ممتعاً للغاية. تنبهت في نهاية هذا الجزء على مرور ساعة من بدء زيارتي وأنا لم أزر سوى أقل من ربع المكان! فقررت أن أستغل الوقت لرؤية الأهم وهي لوحات فان غوخ.
أحد ممتلكات المتحف هي صورة فان غوخ الشهيرة بقبعة القش والتي رسمها لنفسه، أسلوبه في الرسم مختلف ولكن رؤيته في الواقع تضاهي جماله في الصور. ضربات الفرشاة ودمج الألوان ينقل للرائي مشاعر اللوحة بطريقة مختلفة تماماً عن رؤيتها في الصور. حقيقة لم ألتقط صور كافية لأن الصور ستبخس القطع الفنية حقها، فهي أجمل بآلاف المرات في الواقع.

أيضاً من اللوحات الجميلة جداً كانت في المنطقة المخصصة للتاريخ الأمريكي وأقصد بها لوحات جورج واشنتن التي تمتد بحجم الحائط بأكمله. كانت لوحات عظيمة ومليئة بالتفاصيل.
في الدور السفلي كان هناك المعرض السنوي والذي يقام حفل The met gala وفق موضوعه كل عام. وحيث أن موضوع هذه السنة كان الأزياء الكاثوليكية فقد احتوى المعرض على الملابس والاكسسوارات البابوية على مدار السنوات. أحسست أنني في أحد حلقات مسلسل The Young Pope! كان البذخ سمة طاغية على الأزياء البابوية فهي مطرزة بخيوط ذهبية متقنة التصميم ومطعمة بالألماس والزمرد والأحجار الكريمة. لا أستطيع تخيل وزنها الثقيل جداً على البابا! كيف يستطيع الوقوف بها؟
وقبل خروجي زرت على عجل محل الهدايا في المتحف وكان محيراً اختيار ما سيكون ذكرى زيارتي لهذا المكان. استقريت لاحقاً على مغناطيس للثلاجة بشعار المتحف وفاصل للكتب يحمل أحد لوحات فان غوخ Irises.


في نهاية الزيارة ركبت سيارة الأجرة واستغرقت في تأملاتي. فكرت في حضارتنا السعودية وما هي القطع الفنية التي سيرثها أبناؤنا بعد آلاف السنين؟ الفن وسيلة لتوثيق تفاصيل الحياة اليومية من طريقة الملابس للعادات الاجتماعية، ولكن ماذا تركنا لمن هم بعدنا؟
طوال وجودي في المتحف لم أتوقف عن التفكير بالبيت القائل “وهذه الدار لا تُبقي على أحد .. ولا يدوم على حالٍ لها شان”. كانت تجربة ثرية جداً جداً أتمنى أن يشعر بها من يزور نيويورك العظيمة يوماً ما.
لزيارة المتحف والاستزادة بمعلومات إضافية: يرجى الضغط هنا
مقال رائع يحتوي على روحك الحاضرة في نقل تأملاتك في حجم ذلك الجمال شكراً لك.
إعجابإعجاب